واشنطن تظهرعزمها لتواصل الدعم للأكراد السوريين

 
 
مقالاً تحليلياً حول عزم واشنطن لتواصل دعمها للأكراد السوريين والأدلة الجديدة التي قد تلمح للتغيير المقبل في اتجاه السياسة الأمريكية في سوريا
 
أحمد صلاح

الإنهزام السريع الذي قامت به القوات الامريكية في أفغانستان أدى إلى ظهور سلسلة مقالات تحليلية في الوسائل الإعلام الامريكية والعالمية حول انخفاض موقف البيت الأبيض في منطقة الشرق الأوسط. تعرضت السلطات الامريكية لانتقادات لخيانتها الحكومة الأفغانية ما سامح لحركة طالبان إقامة إدارتها في البلد.

 
من الواضح أن هذه الأحداث زرعت القلق في صفوف حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين الذين بدأوا إعادة تقييم علاقتهم مع الأمريكا بعد فشلها في أفغانستان. في هذه الظروف يجب واشنطن أن تعرض قوتها وعزمها من أجل تأكيد رئاسة دورها في الشرق الأوسط. وتشير عدة العوامل إلى أن السلطات الأمريكية تملك القدرة على تأكيد وضعها الرئيسي في سوريا، حيث تستمر واشنطن في المراهنة على القوات الكردية.

 
وعما الأكراد فهم أصبحوا حليفاً أساسياً للولايات المتحدة في عملياتها ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. تمكنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تم تشكيلها تحت رئاسة واشنطن، من السيطرة على مناطق الواسعة وخصوصاً الحقول النفطية في شمال شرق سوريا. ولكن تزايد نفوذ الأكراد سبب أستياء بعض الأطراف الأخرة للأزمة السورية وبينها الحكومة السورية وتركيا. وجدير بالذكر أنه ما أصبحت وضع تركيا على قائمة أعضاء في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عرقلةً لأنقرة لإنطلاق ثلاث الحملات العسكرية ضد قسد.

 
عما تركيا فهي تعتبر المشكلة الرئيسية للولايات المتحدة في شمال سوريا والمانع الأساسي لتزايد نفوذ الأكراد كحلفائها. ويبقى عدم تدخل واشنطن خلال هجمتي الأتراك على الأكراد في منطقة الباب وثم في عفرين تجربة أكثر مؤلمة في تأريخ التعاون بين الأكراد والولايات المتحدة. من الطرف الثاني، توجد في تأريخ العلاقات الأمريكية الكردية الحالات الإيجابية. على سبيل المثال ما قطعت الولايات المتحدة تنسيقها مع الأكراد على رغم من طموحات الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب لإزالة وجود العناصر الامريكيين في سوريا. أكثر من ذلك، وفقاً لقرار وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس تم تزديد حجم تمويل قسد في عام 2019 إلى 300 مليون دولار.

 
بعد الإعلان أن انتصار على تنظيم داعش قصّرت الولايات المتحدة تمويلها للقوات الكردية ولكن قسد لا تزال تبقى من الأقوى الجهات في سوريا. تقدم الولايات المتحدة للأكراد العربات القتالية والأسلحة والذخائر وتنظم دورات خاصة من أجل تعليمهم وتدريبهم لاستخدام هذه أنواع الأسلحة في العماليات القتالية في كافة الظروف. يدرّب الخبراء الامريكيوون مقاتلي قسد والقوات الخاصة في صفوفها HAT (Hêzên Antî Teror‎) التي تنفذ المهام تأمين الأمن في حقول النفط بالإضافة إلى عمليات كشف وتدمير الإرهابيين. عما المعدات العسكرية فمقاتلو HAT متزودين بنفس المعدات كخبراء أمريكيون ويستخدمون نفس الأسلحة والأجهزة العسكرية خلال تنفيذ المهام والعمليات المشتركة.

 
على الرغم من الدعم من الولايات المتحدة، توجد نقطة ضعف للقدرات القتالية لقسد وهى عدم الدفاع الجوي. تستفيد تركيا من هذا الضعف باستخدام طائرات بدون طيار لاستهداف مواقع الأكراد في شمال سرويا. إزدادت كثافة الهجمات الجوية التركية في الأشهر الماضية، مما أجبر قيادة قسد على البحث عن طرق جديدة لمكافحة الطيران التركي.

 
هناك علامات معينة لاعتقاد بأن واشنطن قررت بمساعدة شريكها الكردي في هذا المجال. أفاد مصدر في قاعدة أمريكية جوية في إحدى دول الشرق الأوسط الذي طلب عدم كشف هويته أنه في 18 أيلول / سبتمبر قد وصلت ثلاث طائرات التدريب T-6 Texanإلي قاعدة جوية تل بيدار في محافظة الحسكة السورية. وأضاف المصدر أن قبل وصول الطائرات فتح المدربون الأمريكيون دورة الطيارين للمرشحين من مقاتلين قسد. في تأكيد آخر لهذه الادعاءات نقل الرتل الأريكية الأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر إلي تل بيدار من العراق في 17 أيلول / سبتمبر.

 
وجود الطائرات، ولو طائرات التدريب، عند قسد يغير ميزان القوى القائم حالياً في المنطقة. الطائرات من طراز T-6 Texan يمكن استخدامها لمكافحة مسيّرات بيرقدار التركية، وخصةّ إذا قرر الأمريكيون بتزويد الأكراد بمعلومات الرادارات الموزعة على القواعد العسكرية الأمريكية داخل الأراضي السورية. كل هذا يؤكد أن واشنطن تقوم بإنشاء سلاح الجو لـ "ب ك ك" تم تصنيفها كالجماعة الإرهابية من قبل السلطات التركية.

 
مع ذلك لدى واشنطن قدرة على ضرب مصالح تركيا بوسائط سياسية ولا عسكرية. وتم وضع الأساس لذلك نتيجةً لإعادة تشكيل الإدارة الأمريكية وفي المقام الأول استقالة جيمس جيفري من منصب الممثل الخاص لرئيس الولايات المتحدة في سوريا. كان جيفري معروفاً لتعاطفه مع أنقرة وتعزيز النفوذ التركية في البيت الأبيض. بالإضافة إلى فقدان رجلها بالداخال اكتسبت تركيا عدواً خطيراً وهو منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك. يعتبر ماكغورك من مؤيدين أكثر ولاء للأكراد وحصل على الاحترام من قادة قسد خلال فترة خدمته على منصب الممثل الرئيسي الخاص في التحالف الدولي لمكافحة داعش.

 
ولكن يبقى السؤال الوحيد – وهو السؤال الأهم - ما هو موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن؟ تجنبت إدارة بايدن تغييرات جذرية في سياستها تجاه الصراع السوري حتى الآن. يوفر تطوير التعاون مع الأكراد الذين قد أثبتوا جدواهم بالفعل الولايات المتحدة بفرصة مواصلة سياستها السورية وسيسمح لواشنطن لتظهر أسنانها بالإضافة إلى التأكيد عزم طموحاتها. سيكون هذا الطريق، حتى مع مراعاة جميع عواقبها السلبية المحتملة، أفضل لواشنطن من فشل آخر مثل فشلها في أفغانستان الذي لن يساهم في تشهويه سمعة الولايات المتحدة وحدها بل وجود حلافائها نفسهم.